Commercial Law | Adel Rashad Hassan | College of Law

العقد بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي

العقد بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي

د. عادل رشاد

 

يعتبر العقد  من أهم أسس التعامل بين الناس ، والذي عني به الفقه الإسلامي  بشكل تفصيلي ؛ لكنه لم يطرح  في شكل النظرية الجامعة  وكانت  القواعد الفقهية  حلقة وسيطة بين الأحكام الجزئية والنظريات العامة لكن لم تبلغ  مرحلة صياغة النظريات العامة إلا في العصر الحديث .

ويتناول المقال  مقارنة بين العقد  في الفقه والقانون في ثلاثة مباحث :

المبحث الأول : مفهوم العقد في الفقه الإسلامي

1-العقد لغة :

هو الجمع بين أطراف الشيء وتقويتها، يقال: عقد طرفي الحبل إذا وصل أحدهما بالآخر بعقدة تمسكها فأحكم وصلها. ويطلق على الضمان والعهد يقال: عاقدته على كذا إذا عاهدته عليه. ويطل على الوجوب يقال: عقد البيع إذا أوجبه، وجميع هذه المعاني تدور حول معنى الربط والشد([1]).

وقد اتفق أئمة اللغة على أن إطلاق العقد على الأجسام (أي الإطلاق الحسي) يعد إطلاقاً حقيقاً، وإطلاقه على المعاني (أي المعنوي) فللعلماء فيه قولان: الأول: أنه إطلاق حقيقي والثاني أنه إطلاق مجازي([2]).

2-العقد في المفهوم الفقهي :

ذكر أبو بكر الجصاص أن له معنيين: [العقد هو ما يعقده العاقد على أمر يفعله هو أو ما يعقد على غيره فعله على وجه إلزامه إياه فسمى البيع والنكاح وسائر عقود المعاوضات عقوداً لأن كل واحد من طرفي العقد ألزم نفسه الوفاء به، وسمي اليمين على المستقبل عقداً لأن الحالف ألزم نفسه الوفاء بما حلف عليه من الفعل أو الترك،    وكذلك العهد والأمانة لأن معطيها قد ألزم نفسه الوفاء بها وكذا كل ما شرط الإنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد وكذلك النذور وما جرى مجرى ذلك([3])].

ويلاحظ أن كثيراً من الفقهاء عندما يعرفون العقد يقتصرون على المعنى الذي يقترن في الإيجاب بالقبول ولا يذكرون العقد بإرادة الموجب وحده، ولكن يلاحظ أيضاً أن هذه التعريفات جاءت تخص عقوداً بإرادتين كالبيع والإجارة.. إلخ ولذلك فإنهم – في الوقت نفسه – عندما ما يذكرون التصرفات التي بإرادة منفردة كالطلاق واليمين فإنهم لا يترددون في إضافة كلمة عقد إليها مما يؤكد أن الاقتصار على المعنى الأول لا يقصد منه إنكار المعنى الثاني ،   والأهم من هذا كله أن المعنى الثاني (العقد بالإرادة المنفردة) ثابت في كتاب الله عز وجل، قال تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ﴾ [المائدة: 89]، أي عقد اليمين الملزم.

فالعقد في الفقه الإسلامي – إذن – يشتمل على نوعين:

  • أحدهما: عقد بإرادتين على الأقل وهذا مثل عقود البيع والإجارة والشركة وسائر العقود التي يشترط فيها تلاقي الإيجاب بالقبول.
  • وثانيها: عقد بإرادة واحدة وهو ما يسمى العقد بالإرادة المنفردة – في الاصطلاح الحديث - فهو ينعقد بمجرد الإيجاب من العاقد فيلزم نفسه بالعقد وهذا مثل عقود اليمين والنذر والحوالة، عند الحنابلة فهي تنعقد بإرادة المحيل وحده إذا كان المحال عليه مليئاً([4])، والضمان عند الحنابلة فهو ينعقد بإرادة الضامن وحده([5]) ، والوقف على غير معين (كالمساكين والمساجد) هو من عقود الإرادة المنفردة باتفاق الفقهاء والوقف على معين يعتبر من عقود الإرادة المنفردة عند بعض الفقهاء  وهو بإرادتين عند بعضهم الآخر([6]).

والوصية على غير معين تعتبر من عقود الإرادة المنفردة – كالوقف على غير معين – باتفاق الفقهاء وأما الوصية لمعين فهي تفتقر إلى القبول عند جمهور الفقهاء، وفي قول ضمني لمالك([7]) أن الوصية تنعقد بالموت (أي موت الموصي) ويحكم بذلك قبل قبول الموصى له. وتعتبر الهبة من عقود الإرادة المنفردة عند بعض فقهاء الحنفية وهم شيخ الإسلام خواهر زادة والكاساني والبابرتي([8]) . والجعالة هي من عقود الإرادة المنفردة في الحقيقة،   وهي تؤول إلى اللزوم عند الحنابلة([9]) لأنها لا تكون إلا معلقة على شرط وهو قيام المجعول له بالعمل المطلوب، فإذا تحقق هذا الشرط التزم الجاعل بموجب إرادته المنفردة بأداء الجعل للعامل وقد يقال هنا إن الجعالة قد تمت بالقبول الضمني للعامل بقيامه بالعمل المطلوب([10]) ولكن يلاحظ على هذا القول أن الشرط اللغوي  «أي الذي يأتي على لسان المتعاقد»   إنما هو في الحقيقة سبب أي يلزم من وجوده الوجود كما يلزم من عدمه العدم وذلك على عكس الشرط الشرعي فهو لا يلزم من وجوده الوجود، ولعل القرافي هو أول من تفطن لهذه الحقيقة([11]) وقد مثل القرافي للشرط اللغوي بقول الزوج: إن دخلت الدار فأنت طالق فيلزم من دخول الدار الطلاق ويلزم من عدم الدخول عدم الطلاق. وما دام الشرط اللغوي سبباً في الحقيقة فإن مجرد اشتراط الجاعل – حتى قبل معرفة المجعول له – على نفسه يعتبر سبباً لعقد الجعالة،  ولما كان التعليق صادراً بإرادة الجاعل المنفردة فإن الجعالة تنعقد بإرادته المنفردة ويلزم الجعل بمجرد تحقق الشرط الذي علق عليه الجاعل دفع الجعل لأن الشرط اللغوي سبب كما قدمنا. ويلاحظ أيضاً أنه من الصعب اعتبار العامل قابلاً ضمناً لإيجاب الجاعل لأن الفقهاء([12]) يشترطون بصفة عامة أن يصدر القبول متصلاً بالإيجاب في مجلس العقد إن كان المتعاقدان حاضرين دون أن يفصل بينهما فاصل وإذا كان أحدهما غائباً فيجب عليه بمجرد وصول الإيجاب إلى علمه أن يظهر رأيه ليتصل قبوله بالإيجاب دون فاصل وذلك على الخلاف المعروف بين الفقهاء بخصوص مجلس العقد([13]) .

 

المبحث الثاني  :مفهوم العقد في الاصطلاح القانوني

3-مفهوم  العقد عند القانونين()[14]:

هو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها. ويميز بعض شراح القانون بين الاتفاق والعقد، فالاتفاق عندهم هو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو إنهائه، وأما العقد فهو أخص من الاتفاق عند هؤلاء فهو يقتصر على إنشاء التزام أو نقله فقط. وهذه التفرقة لها جذور تاريخية نقلها القانون المدني الفرنسي عن بعض شراح القانون القدامى([15])    لكن المادة 1101 من القانون المدني الفرنسي المعدل سنة 2016 عرفت العقد بحيث يشمل إنشاء الآثار القانونية وتعديلها ، وعلى أية حال هذا التمييز ليس له أهمية، ولذلك فإن الأصح أنه لا فرق بينهما([16])، والمهم في العقد أن يكون اتفاقاً على إحداث أثر قانوني أي له قوة الإلزام. والعقد في القانون لا يكون إلا بين شخصين على الأقل فالقوانين لا تعرف العقد بالإرادة المنفردة إلى يومنا هذا ويستوي في هذا الأمر القوانين ذات الأصل اللاتيني والقوانين ذات الأصل الأنجلوسكسوني والقوانين ذات الأصل الجرماني ([17]).

وإنه لمن الواضح أن جميع القوانين الوضعية التي تحكم العالم لا تعرف العقد إلا على أنه بين شخصين على الأقل وهي متأثرة في هذا بالقانون الروماني الذي ورثت عنه هذه القاعدة البالية([18]).

وبالرجوع إلى كتب القانون الإنجليزي نجد أن الشراح يصرحون بأن العقد لا يتصور إلا من إرادتين على الأقل [أن الوعد أو العهد يشتمل – على الأقل – على طرفين أحدهما يصدر والآخر يتلقى فيسمى الأول موجباً والآخر قابلاً] ويقولون أيضاً: [إن الإيجاب الذي لم يصادف قبولاًليس له أي أثر قانوني] ويلاحظ أننا نرجع إلى كتب القانون الإنجليزي مباشرة لأن شراح القانون العرب لم يتعرضوا – إلا فيما ندر –  للقانون الإنجليزي. هذا وقد أخذ بعض شراح القانون في ألمانيا وفرنسا([19]) منذ منتصف القرن الميلادي الماضي ينادون بأهمية الإرادة المنفردة كمصدر للالتزام وقد بين هؤلاء الشراح:

(إن القول بضرورة توافق إرادتين لإنشاء الالتزام يسد الباب دون ضروب من التعامل يجب أن يتسع لها صدر القانون فلا يمكن بغير الإرادة المنفردة أن نفسر كيف يستطيع شخص أن يلزم نفسه بعرض يقدمه للجمهور أي لغير شخص معين (كالجعالة في الفقه الإسلامي) وقد يكون الدائن غير موجود في الحال ولكنه سيوجد في المستقبل أو يكون موجوداً ولكن حال بينه وبين القبول حائل بأن مات قبل صدور القبول منه أو فقد أهليته ففي كل هذه الفروض وهي فروض تقع كثيراً في العمل لا يمكن القول بوجود الالتزام في ذمة المدين إذا حتمنا توافق الإرادتين فالقول بجواز إنشاء الإرادة المنفردة للالتزام يرفع هذا الحرج... ثم إنه ليس في المنطق القانوني ما يمنع من أن يلتزم الشخص بإرادته فالإنسان حر في أن يقيد نفسه في الدائرة التي يسمح بها القانون بل إن سلطان الإرادة هنا أشد نفاذاً منه في نظرية توافق الإرادتين، إذ الإرادة المنفردة تصبح قادرة وحدها على إيجاد الالتزام، وهذا أقصى ما يصل إليه سلطانها أما القول بوجوب توافق الإرادتين فبقية من بقايا الأشكال الغابرة التي كانت تحد من سلطان الإرادة. فقديماً كانت الإرادة لا توجد أثراً قانونياً إلا إذا اقترنت بأشكال معقدة ثم اندثرت هذه الأشكال حتى لم يبق منها اليوم إلا النادر وأصبحت الإرادة هي التي توجد الأثر القانوني الذي تتجه إليه فالواجب أن تصل في هذا التطور إلى غايته المنطقية، وأن نقول بأن للإرادة السلطان حتى لو لم يقترن بها إرادة أخرى. على أننا نتطلب رضاء الدائن حتى لا يكسب حقاً بالرغم منه، ولكن هذا الرضاء لا يُوجِد الالتزام، بل إن الالتزام ينشأ بمجرد صدور إرادة المدين)([20]).

ويلاحظ هنا أن شراح القانون الذين نادوا مؤخراً بالإرادة المنفردة ما زالوا إلى الآن متأثرين بالقاعدة الرومانية البالية وهي أن (العقد هو بين شخصين على الأقل) ولذلك هم ينادون بالإرادة المنفردة كمصدر ثان للالتزام إلى جانب العقد.

هذا وقد تأثير القانون المدني المصري الحالي (الصادر سنة 1948) بنظرية الإرادة المنفردة الجديدة – التي نادي بها بعض شراح القانون الألمان والفرنسيين – فنص في مشروعه التمهيدي على أن المصدر الثاني للالتزام هو الإرادة المنفردة ولكن المشروع النهائي اكتفى بذكر الوعد بجائزة فقط تحت فصل الإرادة المنفردة وألغى النص العام الذي كان مدرجاً في المشروع التمهيدي وبذلك أصبح الوعد بجائزة التزاماً مصدره نص القانون مباشرة(م 162 مدني) وليس الإرادة المنفردة ،   ويلاحظ أن جميع التشريعات الوضعية في العالم – إلا فيما نذر – لا زالت إلى الآن لا تعرف الإرادة المنفردة كمصدر عام للالتزام وهي من باب أولى لا تعرف بل لا تعرف أبداً بالعقد بالإرادة المنفردة لأن العقد هو توافق إرادتين على الأقل في جميع تشريعات العالم الوضعية.

مقارنة بين العقد في الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية القديمة والحديثة:

إنه لمن الواضح أن الفقه الإسلامي سبق جميع التشريعات القديمة والحديثة في معرفة العقد بالإرادة المنفردة بل إن هذه التشريعات لا تعرف إلى يومنا هذا العقد بالإرادة المنفردة بل إنها لن تعرف هذا في المستقبل لأن النظرية الحديثة للإرادة المنفردة والتي نادى بها بعض شراح القانون مؤخراً قامت على أساس أن العقد هو توافق إرادتين على الأقل وأن الإرادة المنفردة إنما تقوم  إلى جانب العقد كمصدر ثان للالتزام. وذلك لأنهم لم يستطيعوا إلى الآن أن يتخلصوا من القاعدة الرومانية آنفة الذكر. ولقد وضح لهؤلاء الشراح مدى أهمية الإرادة المنفردة لحل كثير من المشكلات القانونية وهذه المشكلات كلها محلولة – من قديم – في الفقه الإسلامي بسبب معرفته للعقد بالإرادة المنفردة. وإنه من الواضح - في غير تمحل - أن مسألة الإرادة المنفردة تبرز استقلال الفقه الإسلامي عن القوانين القديمة والحديثة، وتدحض الزعم بأن هذا الفقه قد تأثر بالقانون الروماني، وكيف يكون ذلك وهذا الفقه يسبق التشريعات الحديثة في كثير من المسائل ومنها هذه المسألة الهامة.

المبحث الثالث : مقارنة بين أركان  العقد في الفقه وأركانه  في القانون:

العقد يتكون من أركان يقوم بها، والركن لغة: هو الجانب الأقوى من الشيء الذي يمسكه مثل ركن البناء. وركن العقد اصطلاحاً عند جمهور الفقهاء من غير الحنفية: هو ما لابد منه لتصور العقد ووجوده سواء أكان جزءاً من ماهية العقد أم ليس كذلك فيكفي أن يكون مختصاً به بحيث لا يتصور العقد بدونه وعلى ذلك فأركان العقد عند جمهور الفقهاء هي:   

صيغة العقد التي تنصب على الرضا.

العاقدان.

المعقود عليه أو محل العقد.

وأما الحنفية فركن العقد هو ما كان جزاً من ماهية العقد ولا يوجد إلا به فركن العقد عندهم هو صيغة العقد أي الرضا المتمثل في الإيجاب والقبول إذا كان بإرادتين أو الإيجاب فقط إذا كان بإرادة واحدة والخلاف هنا لفظي لأن الأشياء الأخرى عند الجمهور لا بد من وجودها عند الحنفية حتى يتم العقد وإن كانت لا تعتبر من أركانه.

وأركان العقد في القانون لا تختلف في جوهرها عن أركانه في الفقه الإسلامي وإن كان بعض شراح القانون([21]) يذهبون إلى أن العقد يتكون من ركنين: التراضي والسبب، والتراضي عندهم يشتمل على الإيجاب والقبول والعاقدين لأنهما هما الذين يصدران الإيجاب والقبول، والسبب في القانون القديم لم يكن له شأن يذكر لأن القانون الروماني كانت تغلب عليه الشكلية الساذجة التي هي أشبه    بالطقوس الدينية فما دام الشكل المطلوب قد روعي في إبرام العقد فإنه لا قيمة للبحث عن الباعث على العقد سواء أكان مشروعاً أم غير مشروع.

ولم يبدأ السبب في الظهور إلا بعد تطور طويل – ظهرت في أثنائه الشريعة الإسلامية – فلم يبدأ السبب في الظهور في أوروبا إلا عندما نادى رجال الكنسية برضائية العقود مقلدين في ذلك الشريعة الإسلامية، والإرادة حتى تنتج أثرها يجب أن تتجه إلى غرض مشروع لا يتعارض مع النظام العام والآداب وذلك حماية للمجتمع،  ومن جهة أخرى فإن الإرادة اللازمة لإبرام العقد يجب أن تتحرر من الغلط والتدليس والإكراه وذلك حماية للمتعاقد نفسه من خطئه ونسيانه وما قد يتعرض له من عوامل الإكراه المؤثرة على إرادته فالسبب عند شراح القانون ركن في العقد إلى جانب الإرادة ولكنه ركن متلازم معها لا ينفك أحدهما عن الآخر([22]).

وأما المعقود عليه عند القانونيين فهو المحل ولكنه ليس ركناً في العقد عندهم وإنما هو ركن في الالتزام المتولد عن العقد([23])، وهذا التصوير القانوني لا يؤثر في حقيقة المحل وإن كان التصوير الفقهي أدق وهو الصحيح سواء أعتبر المعقود عليه ركناً على رأى جمهور الفقهاء أم لم تعتبره ركناً– على رأى الحنفية – ولكن العقد لا يتصور بدونه،    وذلك لأننا إذا اعتبرنا المحل ركناً في الالتزام المتولد عن العقد طبقاً لاصطلاح القانونيين فمعنى ذلك أن العقد يمكن أن ينشأ بدون معقود عليه ثم بعد ذلك يتولد عنه هذا المعقود عليه وهذا فرض مستحيل قانوناً وفقهاً. ومن أجل ذلك نرى أن قول القانونيين أن المحل ركن في الالتزام وليس ركناً في العقد غير صحيح ويتناقض مع حقيقة العقد الذي لا يتصور نشوؤه بدون معقود عليه أو محل. فالتراضي ينصب من العاقدين على محل معين ثم هما يلتزمان به طبقاً للقوة الملزمة للعقد، وكذلك في العقد بالإرادة المنفردة في الفقه الإسلامي. هذا ويلاحظ أن الفقه الإسلامي لم يتكلم عن السبب في العقد لأنه مندمج – في هذا الفقه – في كل من التراضي والمعقود عليه فلا بد أن تكون الإرادة صحيحة خالية من نقص الأهلية والغلط والتدليس والإكراه ولا بد من جهة أخرى أن يكون المعقود عليه مشروعاً. فلا حاجة بد ذلك للكلام عن السبب كركن مستقل. فمضمون السبب معروف عند فقهاء الإسلام قبل أن تعرفه القوانين الوضيعة لأن الشريعة الإسلامية سبقت القوانين الوضعية في معرفة رضائية العقود، ولم تعرف القوانين الوضعية هذه الرضائية إلا بعد ظهور الشريعة الإسلامية بقرون عديدة. ويلاحظ هنا أن القوانين الوضعية تأثرت بالفقه الإسلامي المالكي الذي انتقل إلى أوربا – مع جيوش المسلمين –  عبر بلاد الأندلس ولذلك نجد أن القانون المدني الفرنسي (قانون بابليون) الصادر في سنة 1804 قد تأثر بالفقه المالكي رغم محاولة واضعيه إخفاء هذه الحقيقة ومن مظاهر هذا التأثر الأخذ برضائيه العقود.   ([24])

 

 

 


([1]) لسان العرب – القاموس المحيط – معجم مقاييس اللغة.

([2]) المفردات في غريب القرآن للأصبهاني ص 510.

([3]) أحكام القرآن للجصاص في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: 1]، ج2 ص 294، 295.

([4]) المغني لابن قدامة ج 4 ص 468، 473.

([5]) المغني لبن قدامة ج 4 ص 480، 481.

([6]) المغني لابن قدامة ج 5 ص 491 وما بعدها.

([7]) منح الجليل على مختصر خليل للشيخ عليش ج 4 ص 648، ومالك يرى أن القبول شرط في صحة الوصية ومعنى ذلك أنها تنعقد بإرادة الموصي وحدها ولكن لا تتم إلا إذا رضي الموصى له منعاً للمنة.

([8]) بدائع الصنائع للكاساني ج 6 ص 155.

([9]) المغنى لابن قدامة ج 4  ص 483.

([10]) المدخل للفقه الإسلامي للدكتور سلام مدكور ص 576.

([11]) الفروق للقرافي ج 1 ص 63.

([12]) المغني لابن قدامة ج 3 ص 563 وما بعدها – حاشية ابن عابدين ج4 ص 527 فتح القدير ج 5 ص78.

([13]) فالشافعية يشترطون اتصال القبول بالإيجاب فور صدوره من غير وجود فاصل ولو يسيراً ولكنهم في الوقت نفسه أثبتوا للقابل خيار المجلس حتى لا يضار من  هذه الفورية (نهاية المحتاج  للرملي ج 3 ص 8) ولم يأخذ الحنفية بالفورية خلافاً للقياس ومراعاة للعرف والتيسير على الناس في التعامل (حاشية ابن عابدين ج 4 ص 527 وما بعدها) ويرى الحنابلة عدم الفورية ولكنهم – على عكس الحنيفة – للقابل خيار الرجوع مثل الشافعية (المغني لابن قدامة ج 3 ص 563 وما بعدها ولا يأخذ المالكية بالفورية ولا خيار المجلس وإنما يأخذون بالإيجاب الملزم فلا يملك الموجب الرجوع ما دام المجلس قائماً (مواهب الجليل ص 340) .

([14]) الوسيط  للسنهوري  ج 1 ص 137 وما بعدها.

([15]) مثل بوتييه ودوما ويراجع في هذا كله الوسيط للسنهوري ج 1  137 وما بعدها.

([16]) و بهذا أخذ مشروع القانون المدني المصري في المادة 122 منه لكن هذه المادة ألغيت بسبب آخر وهو تجنب الإكثار من التعريفات في القانون.

([17]) القوانين اللاتينية ويأتي على رأسها القانون الفرنسي القديم والجديد نسبياً (سنة 1804 م) والقانون الإيطالي القديم والجديد والقانون البرتغالي والقانون الهولندي والقانون التونسي والمراكشي واللبناني والقانون المدني المصري القديم. وأما القوانين الأنجلوسكسوني فهي الإنجليزي وما يجري في فلكه من بعض قوانين الكومنولث البريطاني وهو أصلاً قانون غير مكتوب ويعتمد على السوابق القضائية في القديم ولكن الآن أخذ يدخل في عداد القوانين المكتوبة. والقوانين الجرمانية وأهمها القانون الألماني والقانون السويسري والقانون النمساوي وإلى جانب ذلك ظهرت حديثاً قوانين متخيرة تأثرت بكل من المدرستين اللاتينية والجرمانية وهذا مثل القانون البولوني والقانون البرازيلي والقانون الصيني والقانون اليابان ويعتبر القانون المدني المصري من هذا النوع وهو تأثر بالفقه الإسلامي أيضاً [يراجع في هذا مجموع الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج 1 ص 23 والوسيط للسنهوري ج 1 ص 51 ]. 

([18]) يراجع في هذا الوسيط للسنهوري ج 1 ص 1283.

([19]) وأشهرهم من الألمان سيجل ومن الفرنسيين ورمز في رسالة الإرادة المنفردة باريس سنة 1891 انظر نظرية العقد لعبد الرزاق السنهوري ص 186 هامش 1.

([20]) نقلاً عن الوسيط للسنهوري ج 1 ص 1284، وما بعدها.

([21]) الوسيط السنهوري ج1 ص 170.

([22]) يراجع الوسيط للسنهوري ج 1 ص 414 وما بعدها.

([23]) الوسيط للسنهوري ج 1 ص 170.

([24]) العقد في الفقه الإسلامي دكتور عباس حسنى محمد ، شبكة الألوكة . www.alukah.net

 

 

01-Mar-2023


Back to List